هو نبي الله هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليهما السلام . كان من قبيلة يقال لها عاد ، وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف وهي جبال الرمل ، وكانت باليمن .وكانوا كثيراً ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام كما قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6)إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7)الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} () . فعاد هذه هم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، فبعث الله لهم هوداً عليه السلام ، {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ(65)} . فدعاهم هود عليه السلام إلى التوحيد، وذكرهم بربهم ، فكذبوه وخالفوه ، وتنقصوه وسخروا منه ، حكى الله مقالتهم وسخريتهم بهود ورد هود عليهم فقال : {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(66)قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(67)أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ(68)أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا ءَالَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(69)} () . فنصح لهم وذكرهم بنعمة الله عليهم أن استخلفهم وأورثهم الأرض بعد قوم نوح، وجعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش . ولكن لم تفد تلك النصائح ولم يفد تذكيرهم بالله فقالوا له : {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ(136)إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ(137)وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} () . وقالوا : {قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي ءَالِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ(53)إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوءٍ} . فردوا على نبيهم بأن قالوا لم تأت بخارق ، أو آية تشهد لك بصدق دعواك ، ولن نترك عبادتنا لهذه الأصنام لقولك ، بل تهكموا به وأرجعوا دعواه النبوة والدعوة إلى التوحيد بسبب آلهتهم التي أصابته في عقله . عندئذ قاله لهم نبيهم : {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ(54)مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ(55)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}() . وهذا تحد من هود عليه السلام ، فإنه تبرأ من آلهتهم أولاً ، ثم تحداهم جميعاً أن يضروه بشيء وهو واحد، وأمعن في التحدي لما قال لهم : لا تمهلوني طرفة عين، بل افعلوا ما بدا لكم ، فإني متوكل على ربي ، الذي نواصي العباد بيده .
ولما قالوا لهود عليه السلام : {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(70)} رد عليهم : {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} () . فحل عليهم عذاب الجبار ، وخسروا خسراناً مبيناً ، وكان أول أمر عقوبتهم ما ذكره الله في سورة الأحقاف : {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ(24)تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(25)} () . فاستبشروا لما رأوا السحاب مقبلاً وظنوا أن المطر أتاهم ، وما علموا أنه العذاب قد حل بهم . وهذه الريح هي المذكورة في سورة الحاقة : {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ(6)سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ(7)فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ(
} () . وهي المذكورة في سورة القمر : {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(18)إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ(19)تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ(20)} () . وهي أيضاً المذكورة في سورة الذارايات : {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ(41)مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} () . استمرت هذه الريح العظيمة سبعة ليال وثمانية أيام ، ريح عقيم لا تنتج خيراً ، وكل شيء تمر عليه تجعله رميماً فانياً بالياً ، وهذه الريح من قوتها أنها كانت تحمل الرجل فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه حتى يكون جثة بلا رأس ، كأعجاز النخل الخاوية التي لا رؤس لها . واسم هذه الريح الدبور ، قال صلى الله عليه وسلم : ( نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور ) () .والصبا : ريح تهب من الشرق ، والدبور : ريح تهب من الغرب .
قال تعالى : {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ(58)وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ(59)وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ(60)} () .
فأهلك الله الظالمين، ونجى برحمته هوداً والمؤمنين ، فلله الحمد والفضل والمنة .